الوضع الحالي لتمازيغت
إن مسألة الاعتراف بالأمازيغية وتدريسها لم تثر بعد على المستوى السياسي في ليبيا وتونس حيث لا تتعدى هذه اللغة في هذين البلدين كونها أداة تواصل يومي آيلة للزوال.
وتعترف كل من مالي والنيجر بالتارقية "لغة وطنية" حيث تدرس وتستعمل في وسائل الإعلام. وأصبحت الأمازيغية منذ مايو/ أيار 2002 "لغة وطنية" بموجب الدستور الجزائري الذي يعرف العربية كـ"لغة وطنية ورسمية".
فالأمازيغية اليوم في الجزائر إحدى اللغات الثلاث المستعملة في وسائل الإعلام, وقد شرع في تدريسها عام 1996 مادة اختيارية في المناطق الناطقة بها.
إن إدخال الأمازيغية في المنظومة التعليمية يطرح الإشكال التالي، ماذا يجب أن ندرس: اللهجات المحلية أم لغة موحدة لم تتكون بعد بصورة كاملة ولا ينطق بها بعد أحد؟ ويبدو أن المغرب حسم المسألة (على الأقل في مرحلة أولى) بتبنيه الحل الأكثر واقعية إذ نشرت المقررات المدرسية باللهجات الأمازيغية المغربية الرئيسية الثلاث.
لكن أصابع الاتهام سرعان ما وجهت إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي تكفل بإعدادها ورمي بأنه يتبنى "الأطروحات الرسمية الهادفة إلى تجزيء تمازيغت ومنعها من التوحد"(15). إن الجدل الذي أثاره هذا الخيار في المغرب دليل ساطع على أن التطلع إلى توحيد لهجات هذه اللغة ما زال الشغل الشاغل لجزء كبير من النخب الأمازيغية.
ومن المشاكل التي يطرحها توحيد الأمازيغية مشكل الأبجدية التي يجب أن تكتب بها، فالخيار مطروح بين أبجدية التيفيناغ القديمة والأبجديتين العربية واللاتينية.
وتعد الأبجدية اللاتينية الأكثر شيوعا في كتابة الأمازيغية وقد قام بتطويرها وأقلمتها لخصوصيات هذه اللغة الكاتب الجزائري مولود معمري. غير أنها، وإن كانت مستعملة في المدارس الجزائرية, محصورة الانتشار في الفضاءات الجمعوية والجامعية والإعلامية (مواقع الإنترنت لا الجرائد المكتوبة).
أما الأبجدية العربية التي طالما استعملت لكتابة الأمازيغية في الممالك الأمازيغية الإسلامية(16) فتستعملها بعض الجمعيات الثقافية في بعض مناطق الجزائر (كالأوراس ومزاب) والمغرب, لكنها هي الأخرى ليست واسعة الانتشار. ناهيك
توحيد الأمازيغية مسألة شائكة
ولا تقتصر إشكالية توحيد الأمازيغية على مسألة اختيار أليق أبجدية لكتابتها، إذ تشمل أيضا مسألة تطوير لغة مشتركة بين كل الناطقين بهذه اللغة.
يفترض إيجاد هذه اللغة المشتركة وجود وعي أمازيغي مشترك، وهو أمر مشكوك فيه بالنظر إلى الاندماج القوي للأمازيغ في فضاءات وطنية لكل منها تاريخه ووعيه الوطني القوي.ولا تقتصر إشكالية توحيد الأمازيغية على مسألة اختيار أليق أبجدية لكتابتها، إذ تشمل أيضا مسألة تطوير لغة مشتركة بين كل الناطقين بهذه اللغة.
إن إيجاد هذه اللغة المشتركة يعني بالضرورة تطوير معجم مشترك وقواعد نحوية مشتركة يقوم بإعدادها علماء الألسنية بالاعتماد على قواعد وقواميس اللهجات الأكثر انتشارا. كما أن ذلك يعني الاستعمال الحصري لهذه اللغة الجديدة المشتركة في المدارس ووسائل الإعلام والمراسلات الرسمية.
ويخشى أن تكون "الأمازيغية الموحدة الجديدة" لغة مجردة شبه خيالية، مما سيجعل منها عامل فرقة بين الأمازيغ ودافعا لأن تتقوقع كل مجموعة على لهجتها الخاصة.
هذا ما يحذر منه الكاتب الجزائري محند آكلي حدادو عندما يقول "إن انصهار وتوحيد اللهجات البربرية شيء مستحسن، لكن لا يجب أن يكون ذلك نتيجة قرار إداري بل يجب أن يكون نتيجة سياسة لغوية رصينة تضاعف التواصل بين المتحدثين باللهجات المختلفة وتطور بينهم استعمال مصطلحات مشتركة "(17).
___
0 التعليقات: